الحجامة : مراجعة منهجية للدليل العلمي

الحجامة : مراجعة منهجية للدليل العلمي



الحجامة : مراجعة منهجية للدليل العلمي


1-    د. عبدالله البداح ، 2- د. محمد خليل ، 3- د. احمد العليمي ، 4- ابراهيم السباعي ،       5-    د. عاصم خليل.



تم نشر الدراسة في
مجلة "فاكت" العدد رقم (1) للمجلد (16) ص: 12-16. والصادر في شهر مارس 2011
Focus on Alternative and Complementary Therapy, FACT. Hijama (Cupping) a review of the evidence. Volume 16(1), MARCH 2011, P 12-16. Royal Pharmaceutical Society. DOI 10.111/J.2042-7166.2010.01060.x ISSN 1465 – 3573.
 

المقدمة:

مع انتشار الطب البديل والتكميلى في البلدان المتقدمة ومنها الولايات المتحدة الأمريكية، فقد بذلت جهود حثيثة لبناء البراهين العلمية التي تقوم عليها ممارساته و. معظم هذه البحوث تركزت حول ممارسات الطب الصيني الشعبي وخاصة الوخز بالإبر وهذا ما لاحظه باحثون بارزون . فقد لاحظ ارنست وزملاءه في عام 2007 ، تزايد حجم البراهين العلمية للوخز بالابر  وظهور أدلة وبراهين  إكلينيكية لفاعلية الوخز بالإبر في علاج بعض الحالات وليس كلها. في المقابل لم يجتذب الفصد والعلاج بالحجامة – رغم كونهما من أقدم الأساليب الطبية - الباحثين في العالم الغربى، بل يمكن القول بأنهما أصبحا ا من اوائل ضحايا تحول الطب من فن الى علم. أما في الشرق فالصورة مختلفة، ففى دول شرق اسيا والشرق الأوسط ، لا تزال الحجامة الرطبة تمارس على نطاق واسع. إن كلمة حجامة (التكويب) تعني فى الطب الشعبى العربى، المص او الامتصاص، ويقصد بها وبدرجة أساسية الحجامة الرطبة  والتي يمارسها المسلمون ووردت في حديث نبوي شريف حيث وقد النبى محمد- صلى الله عليه وسلم "خير ما تداويتم به الحجامة" كما ورد في صحيحى البخارى ومسلم.

المنهجية:

تهدف هذه المراجعة المنهجية الى تقييم البراهين العلمية الموجودة للحجامة (الرطبة بصفة اساسية). يعتمد مؤيدوا الطب البديل والتكميلى عادةً على كم كبير من الدراسات المنشورة والغير منشورة، دون النظر إلى درجة علميتها أو دقة تصميمها المنهجي ، وللتغلب على ذلك فقد تم البحث في قواعد المعلومات المتعارف عليها عالميا والتى تحتوى على الأبحاث المحكمة  وهى (قواعد المعلومات الخاصة بمكتبة كوكران، وميدلاين وهى مفصلة في الملخص المكتوب باللغة الانجليزية). لقد تم استخدام كلمة (CUPPING) للبحث كما تم  تحديد مواصفات الدراسة على اساس المنهجية بحيث  يفرز البحث جميع  دراسات المراجعات  المنهجية، وكذا الدراسات التجريبية، ودراسات المتابعة. أم الدراسات التى تحتوى على مجرد تقارير عن حالة أو سلسة حالات بدون ان تكون مصممة على هيئة دراسة علمية، فقد تم استبعادها. اثمر البحث عن استخراج ثلاثمائة وثلاث وسبعون  (373) دراسة، خمسون منها فقط (50) عن الحجامة الرطبة، انطبق على  ثلاثة عشر (13) منها فقط المعايير المنهجية للدراسة: ثلاث (3) مراجعات منهجية، وخمس (5) دراسات تجريبية سريرية، وخمس(5) دراسات تتبعية.

المراجعات المنهجية للحجامة الرطبة:

يعتبر الألم هو اهم سبب اللجوء الى الطب البديل والتكميلي وقد أشارت لذلك  براهين متزايدة  على جدوي   المعالجة الانعكاسية (reflexology)  ،ومن ضمنها  الحجامة ،على تقليل الألم.. وفقا لذلك، فقد تركزت العديد من المراجعات المنهجية فىى الطب البديل والتكميلي، وخاصة الحجامة، على فعالية هذه العلاجات لتخفيف الألم.
 أفرز استعراض منهجي لفعالية الحجامة الرطبة لمشاكل العضلات والعظام خمس دراسات تجريبية سريرية ذات صلة، بما في ذلك اثنان "تجارب عشوائية ضابطة RCT" وثلاث تجارب سريرية غير عشوائية NON-RANDOMIZED". أظهرت نتائج هذه الدراسات فعالية الحجامة الرطبة في علاج آلام أسفل الظهر، إلا أن هذه الدراسات شابتها سلبيات عدة  فعلى  سبيل المثال، شملت التجارب التي تجمع بين الحجامة الرطبة مع أنواع أخرى من العلاجات، مثل الوخز بالإبر وغيرها من أنواع الحجامة، كما  تم تجميع كل النتائج معا بغض النظر عن تصميم الدراسة.
ومن خلال استعراض منهجي أكثر شمولا، ركز على استخدام الحجامة للألم، وشمل فقط "تجارب عشوائية ضابطة RCT"، كان عددها سبع دراسات ذات الصلة.استخدمت خمس من هذه الدراسات الحجامة الرطبة واثنين الحجامة الجافة. أحدى هذه الدراسات والتي قارنت بين الحجامة الجافة وبين الأدوية التقليدية لعلاج  آلام السرطان، سجلت انخفاضا كبيرا في شدة الألم ومدته فى مجموعة الحجامة. وفى دراسة اخرى (RCT) لمقارنة الحجامة الجافة مع "مضادات الالتهاب الغير كورتيزونية  (NSAID)" لعلاج آلام أسفل الظهر، وجدت فرقا كبيرا في درجة تخفيف الآلام. اما فيما يتعلق بالدراسات الخمس التي تستخدم الحجامة الرطبة، فقد أفادت أحداها أن الحجامة الرطبة أدت إلى خفض كبير في شدة التهاب العصب الثالث الحاد بالمقارنة مع دواء مسكن (P< 0.01). وقارنتدراسة اخرى الحجامة الرطبة مع الرعاية المعتادة في حالات آلام أسفل الظهر الغير محددة وذكرت فروق ذات دلالة إحصائية في تخفيف شدة الألم (P<0.01) لصالح الحجامة. كما افادت دراستان بفائدة الحجامة الرطبة كمسكن في المرضى الذين يعانون من ألم عضدي وذلك بالمقارنة مع الرعاية المعتادة (P<0.03) أو استخدام الوسادة الساخنة (P < 0.001). هنالك دراسة واحدة أفادت ان الحجامة الرطبة ليست أكثر فعالية من الأدوية المضادة للفيروسات في الحد من آلام الهربس النطاقي (P = 0.065). هذا وقد ذكرت ثلاث دراسات منها فوائد مواتية للحجامة الرطبة عند استخدامها كمكمل علاجي للعلاج بالعقاقير التقليدية، مقارنة مع العلاجات التقليدية وحدها.
لقد خلص الباحثون إلى أن "نتائج المراجعات  المنهجية  تقدم بعض الأدلة على فعالية الحجامة في علاج حالات الألم".، مع ملاحظة  أن هذه الدراسات افتقرت إلى وجود "تعمية" فى ، حيث كان  مقييم الدراسة ومتلقى العلاج كلاهما على علم بنوعية العلاج المعطى. ومع الأخذ بالإعتباران تطبيق أسلوب "التعمية"  على متلقيي العلاج بالنسبة لممارسة مثل  الحجامة أمر يصعب تطبيقة ، الا انها ليست كذلك بالنسبة لمقييمي هذه الدراسات حيث يمكن تطبيقها عليهم.  بعض تجارب هذه المراجعات  المنهجية أظهرت كذلك احتمالية تحيز عالية ومبالغة في تقدير حجم التأثير، وهو ما يؤثر بالطبع على جودتها. كما أن عدد الدراسات كان صغيراً  للتمييز بين التاثيرات المحددة والغير محددة، مما يحول دون الخروج باستنتاجات حاسمة. .
 أما عن أثر الحجامة في إعادة تأهيل مرضى السكتة الدماغية فكانت هنالك مراجعة منهجية شملت خمس دراسات منها ثلاث تجارب سريرية عشوائية، ودراسة وصفية غير منضبطة واحده لإستخدام الحجامة الرطبة، بينما استخدمت الدراسة الخامسة الحجامة الجافة. لقد خلص الباحثون على أنه ليست هنالك تجارب كافية للحكم على فاعلية الحجامة في تأهيل هؤلاء المرضى.
يمكن الإدعاء بأن العديد من الدراسات والتي لم تخرج بنتائج لصالح الحجامة، لا يتم نشرها مما قد يضعف  الاتجاه العام للدليل على هذا العلاج.
من الملاحظ أن معظم الدراسات التجريبية المنشورة قد أجريت في الصين، وأن قيام البلاد الاكثر تقدماً مثل المانيا والتي هي بالفعل قد تكون رائدة في مجال بحوث الحجامة، قد يقود إلى إثراء الأدلة والبراهين العلمية حول الحجامة، كما ان تطوير جهاز الحجامة الوهمي في كوريا الجنوبية قد يفتح الطريق لتعمية متلقى العلاج والباحث ويؤدى الى زيادة جودة الدراسات التجريبية.
.

"تجارب عشوائية ضابطةRCT" في الحجامة الرطبة:

في احدى الدراسات RCT، والتي قارنت بين  الحجامة الرطبة والوسادة الساخنة”Heat pad” ، وجد ان الحجامة، كانت أكثر فعالية في تخفيف الألم والأعراض الأخرى المرتبطة بمتلازمة النفق الرسغي (Carpal Tunnel Syndrome). وقد برهنت على الفعالية من حيث شدة الأعراض (P<0.001)، والتحسن في مقياس ليفين CTS (P = 0.002)، وآلام الرقبة  0.001(، والعجز الوظيفى (P< 0.001) وفى نوعية الحياة) QoL (P = 0.048). أيضاً عاز الدراسة كونها علنية وغير مُعمَّيه، كما أنها كانت لفترة وجيزة، وأيضا اعتمادها على مقارنة الحجامة مع علاج ضعيف مثل الوسائد الساخنة.
وفى دراسة اخرى RCT  وجد ان استخدام الحجامة الرطبة تؤدى الى تحسن كبير في آلام أسفل الظهر الغير محددة، مقارنة بالرعاية المعتادة، والتي كانت عبارة عن مجموعة من التدخلات، بما في ذلك الاستبعاد من الأعمال اليدوية الثقيلة، والتغيير في النشاط، واستخدام أسيتامينوفين ومضادات الالتهاب الغير كورتيزونية مع/او بدون مرخيات العضلات، ويومين ملازمة السرير والمعالجة اليدوية للعمود الفقري.
وفي ألمانيا أظهرت دراسة تمهيدية تجريبية RCT، أن "الألم العضدي المذلي الليلي" يمكن أن يزول من خلال تطبيق الحجامة الرطبة. لكن مثلها مثل كل الدراسات عن الحجامة الرطبة، افتقرت إلى المقارنة مع علاج وهمى مناسب (BLINDED PLACEBO TREATMENT).
استكشفت جميع الدراسات المذكورة أعلاه تأثير الحجامة الرطبة على الألم، ولكن فى حالات وامراض مختلفة،
 عدد قليل من الدراسات حاول تقييم تأثير الحجامة الرطبة على معايير محددة في الدم فى أمراض معينة؛ ففى دراسة RCT، لمعرفة  تأثير الحجامة الرطبة على تركيز الدهون في الدم لشباب أصحاء، أظهرت أن الحجامة الرطبة قد تكون فعالة في خفض نسبة الدهون منخفضة الكثافة (P<0.0001)، وبالتالي قد يكون لها تأثيرا وقائيا ضد تصلب الشرايين. أظهرت  دراسة أخرى أن الحجامة وفصد الدم مقارنة بالعلاج التقليدي يؤديان الى تحسن فى الألم  عند المرضى الذين يعانون من التهاب المفاصل الروماتيزمي، في عدد المفاصل المتورمة والمؤلمة، كما أظهرت أيضا انخفاض في الآثار المناعية الهامة. والمثير للاهتمام في الدراستين الأخيرتين هو استخدم الباحثون لمخرجات موضوعية ومستندة إلى علم الأمراض، ويمكن قياسها فى المختبرات، و إذا تم تطبيق نفس النهج لدراسات فى المستقبل، فقد يساعد ذلك على تحديد الاستخدامات المحتملة الأخرى للحجامة الرطبة.

الدراسات الرصدية (OBSERVATIONAL STUDIES):

نشرت العديد من الدراسات في شكل دراسات رصدية او سلسلة حالات سريرية.  إحدى هذه الدراسات والتي أجريت في إيران، صٌممت على  مقارنة "قبل وبعد العلاج" لنفس مجموعة المرضى، أشارت إلى أن الحجامة الرطبة ذات فائدة علاجية للمرضى الذين يعانون من الصداع، وقد اوصلى الباحثون بأن تصمم  دراسة تجريبية أخرى أكثر ضبطاً  تعتمد على مقارنة مع مجموعة اخرى من المرضى وتعطى علاجا مختلفا ، فضلا عن استخدام العلاج الوهمى.

الحجامة الرطبة مجتمعة مع سائل آخر من الطب البديل

أظهرت العديد من الدراسات نتائج أفضل عندما تم الجمع بين الحجامة الرطبة مع الوخز بالإبر، وعلى وجه التحديد لعلاج التهاب المفاصل النقرسي الحاد والحلأ النطاقي. كما وجدت دراسة رصدية أخرى أن العلاج بالإبر الساخنة مع فصد الدماء والحجامة أكثر فاعلية من حيث نسبة الشفاء، وذلك بالمقارنة مع استخدام مسحات خارجية من كريم halometazone لعلاج الإلتهاب العصبى. إلا أن الحجامة مع الوخز بالإبرلم تكن أكثر تفوقاً أي علاج غربى حديث في علاج حب الشباب وهذا ما أشارت إليه دراسة تجريبية ضابطة. وأجريت جميع الدراسات المذكورة أعلاه في الصين، وجميعها ذكرت ان النتائج العلاجية لصالح مجموعات تلقت علاجا مكون من فصد الدماء، والحجامة والعلاجات الشعبية الأخرى في أنواع مختلفة من الأمراض ولكن لم يتم العثور على نتائج مماثلة فى دراسات منشورة في مكان آخر أو مع فرق مختلفة من الباحثين.

الخلاصة:

تشير غالبية المراجعات المنهجية والدراسات التجريبية المضبوطة حتى الآن إلى وجود أثرا إيجابيا للحجامة الرطبة، عند استعمالها إما بمفردها أو بالتكامل مع العلاج التقليدي، وذلك في علاج اللآلام  وخصوصا الصداع العصبي وألم العضلات والعظام.أهم الجوانب السلبية في هذه الدراسات يمكن إيجازها في قلة الدراسات والتجريبية، عدم كفاية التعشية ولتعمية، وأيضاً الجوانب التعلقة بالمرجعيات الأخلاقية المتبعة، مما يؤثر سلبا على مصداقية مثل هذه الدراسات، وقد يكون هذا هو أحد الأسباب التي تجعل العديد من دراسات الطب البديل والتكميلي، ربما لا يتم قبول نشرها في دوريات أو مجلات علمية عالية التأثير
لا يزال كم المنشورات العلمية في مجال الطب البديل والتكميلى  صغير جدا، حيث يمثل أقل من 1٪ من محتوى ميدلاين. وحتى عندما تم البحث فى 14 قاعدة بيانات، بما في ذلك قواعد بيانات الطب البديل والتكميلي، لم يوجد الا عدد سبعة تجارب عشوائية محكومة RCT" في الحجامة الرطبة. ويجب ملاحظة ان معظم النتائج الإيجابية نشأت من الصين.
وبينما كانت نتائج الدراسات التي أجريت في البلدان النامية ايجابية، الا انه لا ينشراى شىء عن المخاطر او الأعراض السلبية للحجامة الرطبة الا في المجلات الغربية. وعلى ذلك فينبغي بذل الجهود لتعزيز التعاون البحثي بين البلدان النامية والبلدان الغربية، لا سيما في البلدان التى لا يزال يستخدم فيها الحجامة الرطبة كعلاج تقليدي، مثل فنلندا وبولندا والبرازيل وكوريا. قد تكون تركيا أيضا مكان حيث يتلاقى الشرق مع الغرب، وبالتالي قد تكون مناسبة لإجراء بحوث متعمقة في الطب البديل والتكميلى.
و في المملكة العربية السعودية حيث تم انشاء المركز الوطنى للطب البديل والتكميلى ليقوم بدور ريادى في هذا المجال فقد يكون إنشاء مركز البحوث من خلاله لتنفيذ العديد من الدراسات التجريبية تمهيدا لممارسة الطب البديل المبنى على البراهين العلمية.

التوصيات:

1 - تعزيز التجارب السريرية في الحجامة الرطبة من خلالالمركز الوطنىللطب البديل والتكميلى حيث ان الحجامة الرطبة هى أولوية في المملكة العربية السعودية.
2 - البدء في التعاون مع مراكز البحوث الدولية مع اهتمام خاص  بالحجامة لضمان جودة الدراسات وفق المعايير العالمية
 

تعليقات

المشاركات الشائعة